11 - 05 - 2025

من وراء النافذة| قانون الانتخابات وغباء التطبيق

من وراء النافذة| قانون الانتخابات وغباء التطبيق

احترام القانون واجب على كل مواطن، وأيضاً على الجهة المنوطة بتنفيذه. وكما ان المساواة في تنفيذ القانون مبدأ لاخلاف عليه فإن على الجهة التنفيذية مراعاة هذا المبدأ وعدم التعسف في استخدامه كذلك يتعين عليها تحري الدقة عند التطبيق. سأتناول اليوم المادة الثالثة والأربعين من قانون الانتخابات التي تنص على "توقيع عقوبة الغرامة بما لا يجاوز خمسمائة جنيه على من يتخلف بدون عذر عن الإدلاء بصوته في انتخابات رئيس الجمهورية".

لن أناقش فحوى هذا البند ومدى دستوريته حيث نصت المادة السابعة والثمانين من الدستور الذي هو ابو القوانين على ان "مشاركة المواطن فى الحياة العامة واجب وطنى، ولكل مواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأى فى الاستفتاء، وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق، ويجوز الإعفاء من أداء هذا الواجب فى حالات محددة يبينها القانون.

من هنا يفرض عدد من التساؤلات نفسه على الوضع الراهن: هل الانتخاب حق تكفله الدولة لمواطنيها وفق نص الدستور، أم انه واجب إلزامي -حسب قانون الانتخابات - مثله مثل أداء الخدمة العسكرية التي يستوجب التخلف عنها عقوبة ؟ وإذا سلّمنا –جدلاً- بدستورية مادة العقوبة في قانون الانتخابات فلماذا اقتصرت العقوبة على المتخلف عن انتخابات رئيس الجمهورية ولم تشمل المتخلفين عن الانتخابات البرلمانية والمحلية والاستفتاءات؟

ما علينا .. دعونا - احتراماً للقانون - نقبل أي تفسير قانوني يمكن ان يرد على التساؤلات السابقة، ولننتقل الى آلية تنفيذ القانون لكي نرصد ملاحظات مهمة على نص المادة؛ أولها انها حددت مبلغ الخمسمائة جنيه كحد أقصى للغرامة أي انها يمكن ان تقل عن ذلك، لكن ذات المادة لم تنص – في المقابل- على من له صلاحية تحديد مبلغ العقوبة أو الجهة المنوط بها تطبيقها.

منطقيا، يحق لنا استنتاج أن الجهات القضائية -يعني المحاكم- هي الكفيلة بنظر هذه المسائل وتحديد مبلغ العقوبة، كما انها هي التي تحدد مقبولية العذر من عدمه. من ثم فالمفترض ان تطلب النيابة العامة كشوف الناخبينآ من اللجنة العليا للانتخابات وتستخرج منها أسماء المتخلفين عن الإدلاء بأصواتهم لتقيم ضدهم الدعوى القضائية كي تحدد المحاكم العقوبات المناسبة. إذا كان الأمر كذلك فإن المساواة تقتضي عدم استهداف فئات بعينها من المواطنين لتوقيع العقوبة عليها بشكل تعسفي دون فئات أخرى، وأعني هنا موظفي الحكومة أو التابعين للدولة..أولئك الذين صدرت بحقهم تعليمات سرية بخصم قيمة الغرامة من مكافآتهم أو أجورهم الإضافية دون دليل أوسند من القانون اللهم إلا مطالبة رؤساء الإدارات بإعداد كشوف بأسماء مرؤوسيهم الذين لم يدلوا بأصواتهم لتغريمهم. وهنا أسوق مثالا صارخا لما حدث لأعضاء الكادر العام بإحدى كليات جامعة القاهرة.

غباء تطبيق القانون وتغول السلطة الإدارية على صلاحيات القضاء وممارستها لدور المدعي والقاضي في آن واحد هو نوع من المراهقة السياسية والنفاق المفضوح الذي لن يجلب سوي تخريب النفوس وإشاعة الحقد، وبفضله تحول الموظفون العموميون بأوامر عليا الى مخبرين يحرضون على زملائهم ويبلغون عنهم، بكل ما تنطوي عليه هذه العملية من إفساد للذمم ولعلاقات العمل وفقدان الثقة المفترضة بين الزملاء والأهم من ذلك خضوع هذه العملية للأهواء الشخصية واحتمالات إساءة استغلال السلطة والابتزاز فهل هذا هو ما نسعى اليه بإنفاذ القوانين وهل هذه هي الديمقراطية التي ننشدها؟

المؤسف ان قطاعاً واسعا من موظفي الدولة يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً من فقدان جزء من دخولهم الإضافية كانوا يرتبون حياتهم عليه لا سيما ونحن على أبواب شهر رمضان الكريم بكل ما يتطلبه من أعباء وزيادة طارئة في نفقات الأسر المصرية. أما الأكثر إثارة للأسف ان بعضاً ممن ادلوا بأصواتهم وقعوا ضحية ضغائن يحملها لهم رؤساؤهم وادرجت اسماؤهم في قوائم "الغارمين" وليس لديهم وسيلة إثبات، بل إنهم غير مطالبين أصلاً بهذا الإثبات لقد وقعت الواقعة وانتهى الأمر.. إذ لامجال هناك لتفعيل مبدأ "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر".